حول المتون الشعرية - خاطرة لابد منها

بسم الله الرحمن الرحيم

قد تكون هذه التدوينة ممتعة لدرجة أنك بعد أن تنتهي من القراءة ستحزن على انتهائها وتطالب بالمزيد، وقد تكون مملة جدا لدرجة أنك قد سئمت بالفعل ولا تقرأ هذه الكلمات. 


لست متخصصا بحال في اللغة العربية ولا العلوم الشرعية، لكني أحببت المتون من أول معرفتي بها.. المتون عامة ، وخاصة إذا كانت مسموعة بصوت غير ممل.
فكرة تحويل العلم إلى شعر في ذاتها فكرة مثيرة للدهشة.
لماذا نحول العلوم النثرية إلى شعر؟ ما الفائدة؟
غالبا الفائدة الأهم هي تسهيل الحفظ؛ فلا شك أن الشعر أسهل في الحفظ من النثر ، الشعر الجميل أمتع من النثر ويتغنى به، فهو محبب إلى النفس، إذا الهدف هو إزالة بعض معوقات تحصيل العلم.


قال الجزري عن التمرن على التجويد:


وليس بينه وبين تركه.. إلا رياضة امرئ بفكه

بعض متون علوم القرآن تبدأ بمقدمة عن فضل القرآن وحامل القرآن، يقول الشاطبي :

وإن كتاب الله أوثق شافع .. وأغنى غناء واهبًا متفضلا


وخير جليس لا يمل حديثه .. وترداده يزداد فيه تجملا



ويقول الجزري في طيبة النشر في القراءات العشر :
وَبَعْدُ : فَالإْنْسَانُ لَيـْسَ يَشْرُفُ * * * إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَعْرِفُ


لِذَاكَ كَانَ حَامِلُو الْقُرآنِ * * * أَشْرَافَ الاُمَّةِ أُوليِ الإحْسَانِ


وَإنَّهُمْ فِي النَّاسِ أَهْـلُ اللهِ * * * وَإنَّ َربَّنا بِهِمْ يُبَاهِي


وقَالَ فِي الْقُرآنِ عَنْهُمْ وَكَفَى * * * ِبأنَّهُ أْوَرثَهُ مَنِ اصْطَفىَ

لكن من أعجب ما في المتون حقا الترميز الموجود في بعضها مثل متون القراءات الكبيرة التي ترمز للقراء بحروف وكلمات لاختصار الكلام فالجزري مثلًا يقول :

جَعَلْتُ رَمْزَهُمْ عَلىَ التَّرْتِيبِ * * * ِمنْ نَافِعٍ كذَاَ إلىَ يَعْقُوبِ


أبَجْ دَهَزْ حُطِّيْ كَلَمْ نَصَعْ فَضَقْ *** رَسَتْ ثَخَذْ ظَغَشْ عَلَى هَذَا النَّسَقْ


وَاْلوَاوُ فَاصِلٌ وَلاَ رَمْزَ يَرِدْ * * * عَنْ خَلَفٍِ لأَنـَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ

ومعناه :
أنه سيذكر الاختلافات في أوجه القراءات المختلفة فحتى لا يطيل القصيدة (المتن) سيجعل رمزًا لكل قارئ وراوٍ على أحرف الهجاء.

فالرموز بداية من القارئ الأول (نافع) وحتى القارئ التاسع (يعقوب) هي أ ب ج : يعني (أ) رمز نافع والباء والجيم رمزان لراوييه قالون وورش وهكذا على ترتيب القراء والرواة الذي ذكره في الأبيات السابقة لهذه الأبيات.

ثم قال والواو فاصل يعني مجرد فاصل بين الكلمات لكنها ليست رمزًا لأحد ، ولا رمز يرد عن القارئ العاشر (خلف) لأنه لم ينفرد عن باقي القراء في اختياراته فلا حاجة لتخصيص رمز له.

وكذلك جعل في أبيات أخرى رموزًا تجمع بعض القراء معًا مرة واحدة لتكرار اجتماعهم على قراءة معينة.

ومثاله :

في سورة الفاتحة يقول الجزري:

مَالِكِ نَلْ ظِلاًّ رَوَى السِّرَاطَ مَعْ * * * سِرَاطَ زِنْ خُلْفًا غَلاَ كَيْفَ وَقَعْ

نأخذ الجزء الأول من الشطر الأول كمثال:

(مالكِ نـل ظلا روى) : معروف أن مالك يوم الدين فيها قراءتان (مالك) و(ملك) فالذي يقرأها (مالك) هم : نل ظلا روى ، نأخذ من نل النون يعني :عاصم وعنه راوياه حفص وشعبة ، ونأخذ من ظلا الظاء وهي رمز يعقوب وعنه راوياه رويس وروح ، وكلمة روى كاملة تعني أكثر من قارئ مذكورين في المتن : خلف وراوياه والكسائي وراوياه.

إذن فقد استطاع الناظم (مؤلف المتن) -رحمه الله- بذكاء في أربع كلمات (مالك نل ظلًا روى) أن يخبرنا أن الذي يقرأ هذه القراءة هم أربعة قراء عاصم ويعقوب والكسائي وخلف (العاشر) وبالتالي عرفنا أن من يقرأ القراءة الأخرى (ملك) هم باقي العشرة!

*من المهم هنا أن أؤكد أنك لابد أن تكون قد علمت هذه المعلومات عن طريق الشرح أو عن طريق الدراسة بطريقة أخرى ، فالمقصود من المتن هنا الاختصار لتسهيل التذكر إذا نسيت وليس المقصود هو البسط والشرح والله أعلم ، لذلك لو كنت عالمًا بالفعل ثم قرأت المتن لشعرت بمتعة في فهم الاختصارات والفوائد والإشارات الذكية.




بعض المتون كذلك لا تخلو من المزاح مثل ما قال في أرجوزة الآداب عن آداب طالب العلم:

لا تشرب البيبسي ولا الككولا .. ثم اقتصد ولا تكن أكولا
لكل ما ترغب من طعام .. فإنه مجلبة الأسقام


المتون الصوتية:

كل فترة تضاف إلى المكتبة الصوتية إصدارات كثيرة للمتون ، أهم شيء القراءة الصحيحة ، ثم الصوت الواضح ، ثم التنغيم الإبداعي ليس لمجرد الطرب بل لأنه يساعد على تثبيت الحفظ.


من ذلك ما قام به القارئ مشاري العفاسي في الشاطبية في القراءات السبع وتقسيم بين الصوت الفردي والجماعي يدل على شيء من المعنى:

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=146826


ثم طريقته المبتكرة الأكثر ثورية في هذا المجال في متن السمنودية في التجويد:

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=146945


هناك أيضًا قراءة لمتن البيقونية لمنشد لا أعرفه بصوت جميل وتنغيم يساعد على الحفظ عدا أن فيها القليل جدًا من الأخطاء غير المؤثرة ربما لا تتجاوز الأربع:

https://www.youtube.com/watch?v=tQQ6KGngOBA

وقد يظن البعض أن هذه الطريقة لا تصح وعيب وللأطفال ، ولكن الحقيقة أنها تجعلك تسمع المتن مرارًا دون ملل وتساعدك على الحفظ بطريقة فعالة جدًا.




ومتن أرجوزة الآداب أيضًا تم العمل عليه بطريقة جميلة بالمشاركة بين المؤلف بنفسه يتلو الأبيات التي اقتبسها من المنظومات الأخرى ومجموعة من المنشدين هم سعد الغامدي ، سمير البشيري ، أبو عبد الملك:

https://www.youtube.com/watch?v=J9o9jk-Zljw

تعليقات