الصندوق الذي فتح لي عالم أحمد خالد توفيق

 سكنت مع أصدقاء لي أثناء دراستي بمدينة 6 أكتوبر فترة سقط أغلبها من ذاكرتي وما زلت لم أعثر عليه..

لم تسقط كل ذكرياتي عن (أكتوبر) بالطبع وإنما التنقلات الكثيرة بين الشقق ينسي بعضها بعضًا، خاصة أننا كنا أحيانًا نسكن عند أصدقاء لنا أسبوعًا أو أسبوعين ليس في شقتهم وإنما في شقة أصدقاء لهم!

أذكر أن (سليمان) دخل مرة شقته صباحًا فوجدنا ملقين هنا وهناك بين الصاحي والنائم "من هؤلاء؟"

لم أكن أعرف (سليمان) وبعض السكان المؤقتين في الشقة لم أكن أعرفهم أيضًا ولا أذكر الآن أين هي تلك الشقة تحديدًا لكني أذكر أن البواب كان صعيديًا هاربًا من ثأر، قد لحقه في نهاية الأمر!

وفيما سكنت شقة مع صديقي (خالد)، أذكر جيدًا شكل الصالة ومدخل الغرفة لكني لا أذكر أي شيء آخر عنها.. 

وكان ممكن يسكن معنا في تلك الشقة بعض الوقت صيدلانيان متخرجان يعملان كمندوبي شركة أدوية..

-أهلا بك (بابتسامة)

=أهلا وسهلًا (أرد الابتسامة)

ثم ينامان، وحين يقومان من النوم ينطلقان إلى العمل واللف المضني.

ومرة دخل أحدهما بكتاب سميك، تركه على منضدة ونام، وأنا محب للقراءة وإن لم أكن قارئًا جيدًا أو مكثرًا.. فجذبني الغلاف الأسود المعنون "الآن نفتح الصندوق- أحمد خالد توفيق"

لا أذكر أني قرأت قبلها للدكتور -رحمه الله-، لكن العنوان جذاب.. أردت أن أقرأ المقدمة.. نظرت لصاحب الكتاب النائم عميقًا، ثم أمسكت الكتاب وبدأت في القراءة فوجدت الكاتب يقول إنه لا يطلب مني أن أصدق ما يقول ولكن على الأقل أقر باحتمال حدوثه.. وهو منطق عقلاني يشبه قول الشافعي "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"

ثم بدأ يحكي مقدمة إطارية للقصص القصيرة التي في الكتاب ملخصها أن أستاذ الأدب الإنجليزي فلان توفي، ولأنه كان عالمًا فكعادة العلماء لم يترك كثير مال، ولكنه ترك صندوقًا أسود مليئًا بالأوراق يحكي فيها عن أشياء غامضة واجهته، قصص عاشها بنفسه.. وبما أنه قد مات فـ "الآن نفتح الصندوق".. وفي كل ورقة تكون قصة قصيرة..

وهي تقنية لطيفة لإعطاء جو موحد للقصص..

وبما أني شخص عقلاني -حسب ما أظن- فلم أظن أن أيا من تلك القصص سيثير رعبي فعلًا.. الرعب خيال يحتاج عقلًا طفوليًّا ليصدقه..

وكأن الدكتور كان يعرف ذلك، فكان يحكي مثلًا عن المذئوب فتضحك بادي الأمر (وهل هناك من يصدق وجود بشر يتحول إلى مذئوب الليلة المقمرة إلا طفل؟) فيبدأ بذكر وقائع تاريخية نادرة عن بعض الناس ومن بينهم ملك أو أمير كانت تظهر عليه نفس أعراض المذئوبين أو قريبًا منها، لكن لأنها حالات نادرة فلا يوجد دراسة علمية حقيقية تثبت أو تنفي وجود المذئوبين، وهنا نرجع إلى ما طلبه في المقدمة، أن هذا الكلام قد يكون حقيقة وقد لا يكون، لكنك لا تستطيع إنكاره بكل قوتك بعد معرفة هذه المعلومات!

ثم قصة عن مصاصي الدماء، ثم آكلي لحوم البشر، ثم رعب الأشباح والأموات والبيوت المهجورة وكلنا يعرف قصة عنه سمعها هنا أو هناك، لا يتيقن من صحتها لكنه لا يملك الشجاعة ليثبت بطلانها ويدخل البيت المهجور بنفسه.. إلخ

وفي خلال ساعات كنت أتممت قراءة الكتاب بعد أن ثنيت بدون وعي غلافه وأسأت استخدامه حتى لمعت عيني من جمال الأسلوب والإبداع بالنسبة لقارئ لم يقرأ في أدب الرعب من قبل.

لم أقرأ ربع مؤلفات الدكتور -رحمه الله- لكن من أكثر ما كان يعجبني فيها أسلوبه ووجوده في أغلب ما كتب كراو ساخر.. لذلك لا يمل محبوه من قراءة رواياته ومقالاته المشحونة بشخصيته الحقيقية مشاعرها ومخاوفها وآرائها!

تركت الكتاب مكانه وتصنعت أني ليس لي علاقة بمن شوه الكتاب، لكن لا أدري لماذا حينما أتى الصباح واستيقظ الشابان ليوم عمل جديد لقيني صاحب الكتاب وعلى عينيه نظرة ضيق وغضب مكبوت.. شيء غريب فعلًا!

تعليقات

إرسال تعليق