مقتل حلم آخر - قصة قصيرة


(مقتل حلم آخر)



كان (عبد الحميد) في غاية السعادة فقد استطاع أخيرًا إقناع كفيله بالموافقة على استقدام زوجته وابنته مقابل أن يعمل عدد ساعات أكثر في آخر ستة أشهر ، لم يرهما منذ عامين إلا بمحادثات الإنترنت ، آخر إجازة لم تتعد شهرًا نظرًا لحاجته إلى المال فاضطر للعودة من مدينته (دكا) مبكرًا.
حاول (أكبر) زميله إثناءه عن هذا القرار المتهور في رأيه:
=ستنفق الكثير من النقود لتأتي بهما ، وتذكرتي طيران ، وستترك السكن المجاني معي وتبحث عن سكن خاص ، هذه مبالغ خيالية يا (باي) ، أنا لم أر ابني منذ ثلاثة أعوام ، لكن ماذا أفعل ؟ لابد من الصبر أنا هنا لأجله لا لأجل نفسي ، أنت أيضًا اصبر واقتل عاطفتك هذه قبل أن تقضي عليك.
كانت كلماته بلا معنى ، عاطفتي هي أنا ووقتي هو عمري ، وقد ضيعت كثيرًا منه بالفعل.
-كل منا له نظرته للأمور ، أعتقد أني يمكن أن أضحي بالقليل من المال ..
=بالكثير من المال وليس القليل.
-بالكثير من المال إذن مقابل سعادتي وسعادة أسرتي ، وندخر ببطء حتى لو مكثنا عددًا أكبر من السنوات ، لكن نكون فيها معًا.
=لا فائدة من الكلام معك ، أنت حر.
فتح جواله ينظر إلى صورتها ، شعرها مرتب بعناية تلبس رداءً أبيض يعكس بشرتها الداكنة ، وعيناها الصادقتان تنفذان إليه مباشرة وضحكتها الواسعة وهي تخرج لسانها لمن التقط الصورة ، الشوق إليها يزيد كلما تأملها ، يحدثها في نفسه:
-ها قد قاربت على الخطوات الأخيرة ، سأضمك إلي قريبًا يا صغيرتي.
ثم صدر القرار بدفع مبلغ مالي مائة ريال على كل تابع نظرًا للظروف الاقتصادية التي تمر بها المملكة ، مما يعني أنه سيدفع ألفين وأربعمائة ريال أول عام عن زوجته وابنته ، ثم الضعف في العام التالي ثم ثلاثمئة ريال عن كل تابع في العام الذي يليه ثم أخيرًا أربعمائة ريال في العام الرابع أي تسعة آلاف وستمائة ريال!
صدمة كبيرة ، لم يفهم في البداية..
-لماذا أدفع عن التابعين؟ أنا سأدفع بالفعل مبلغًا للاستقدام فلماذا الزيادة؟
هذا المبلغ أكبر بكثير مما يستطيع ، بل لو كان يستطيع ادخار هذا المبلغ في الأيام العادية لكان قد رجع إلى بنجلاديش بعد أول عامين مكتفيًا.
صدمته كانت كبيرة وخيبة الأمل عند زوجته كانت مغطاة بكلماتها تطمئنه أن الأمر هين وكل شيء سيكون كما يرام ، كان يعرف أنها حزينة وأن أحلامها قد تحطمت ورغم ذلك تهون عليه.
يقف في المطعم الذي يعمل به فيأتي إليه زبون سعودي يحمل ابنته الصغيرة على يده ليشتري غداءه ، ينظر البنجالي إليها ، ما أشبهها بابنته! يضحك إليها فتضحك ، يفرح بضحكتها كأنما ابنته التي ضحكت ، يخرج علبة عصير فواكه مشكلة من الثلاجة يضع ثمنها من جيبه في صندوق النقود ، ويهديها إلى الطفلة فترسل إليه قبلة في الهواء بيدها الصغيرة ، ويضحك أبوها ، يأخذ وجبته ويمشي فيتابعهما ببصره إلى أن يختفيا.

تعليقات