كيف نرى الأشياء من حولنا - مترجم من كتاب حرفة الكاتب لأرنولد بينيت

 Middle-aged white man with full of wavy dark hair swept into a substantial quiff. He has a neat, medium-sized moustache.

من كتاب (حرفة الكاتب – أرنولد بينيت) ببعض الاختصار:

"كلب صغير ، عديم الخبرة ، يمشي على طول ممر طريق فولهام ، بالقرب من البوابات الغامضة لـ دير ماريست. إنه جرو كبير ، في طريقه ليكون كلبًا يتمتع بكرامة كبيرة ، لكن في الوقت الحالي ليس لديه الكثير سوى تلك الأناقة الجذابة ، و ذلك الامتنان الملزم لهبةالحياة ، الذي يميز الجرو العادي. إنه أحمق جاهل. يخطو من الرصيف إلى الطريق ، والطريق هو قارة شاسعة ومثيرة للاهتمام لم تُكتشف جيدًا.
ينظر بعدم اكتراث إلى شيء ضخم قرمزي اللون يتقدم نحوه على أربع عجلات له أزيز، فيكمل طريقه في ثقة من أن ضررًا لن يصيبه لكنه في اللحظة التالية يكون ملقى في الوحل وقد غاب عن وعيه إلى الأبد، يبدو أن ثقته كانت غير مبررة.
المثير للإعجاب أن سائق الحافلة توقف رغم عدم وجود شرطي في الجوار، وأسرع في حذر إلى الجرو.. قبل مدة من الزمن ربما كان سائق الحافلة يصدم إنسانًا على دراجة ويكمل طريقه غير مبالٍ أما الآن فحتى الجرو يستحق الاهتمام.. ثم يأتي شرطيان.
يتجمع الناس ويتقدم ولد مبادر لفحص الكلب فيجد أنه قد مات بدون دم أو بكاء أو تشوه حتى عجلات الحافلة لم تترك أثرًا عليه، حادثة مثالية ونظيفة تمامًا.
يجتمع الناس حول الحادث شيئًا فشيئًا ليروا ما حدث ثم ينصرفون شيئًا فشيئًا وكل ما يتبقى لديهم هو ذكرى إكليشيهية "لقد رأينا اليوم كلبًا دهسته حافلة فمات" لم يحللوا مشاعرهم أو يفهموا حقيقة ما حدث بالتفاصيل الدقيقة إلا الشكليات الظاهرية.
**
هذا ما يحدث لنا جميعًا، قلما نلاحظ جيدًا ما يحدث من حولنا، مهما ركزنا نكتشف أننا نفتقد الكثير من المهارة الحقيقية في الملاحظة.
ذهب رجل إلى باريس لأول مرة فلاحظ أن عربات قطار الضواحي بها مقاعد على السطح مثل عربة الترام، وكان هذا بالنسبة إليه اكتشافًا رهيبًا لكن لم يلحظ شيئًا آخر تقريبًا.
وعلى العكس ذهبت امرأة باريسية إلى لندن فتخيل ماذا لاحظت؟ لاحظت أن القطط تسير في الشوارع وانبهرت بهذا.. لأنه في باريس لا تسير القطط في الشارع والطرقات لأن المنازل هناك ليست لها حدائق ومساحات مسطحة.
ذات مرة ذهبت إلى الأوبرا مع صاحب لي وكان العرض يومها هو (لوهينجرين) وحينما خرجنا كانت ملاحظته الوحيدة أن رقبة البجعة كانت صلبة نوعًا ما.. وهي ملاحظة صحيحة وعادلة ولكنها من منظور معين يشبه في هذا النقاد الأدبيين الذين يكتبون 10 أسطر للإشارة إلى ثلاثة أخطاء نحوية و3 أسطر فقط ليقولوا إن الرواية ليست مملة تمامًا.
لقد قرأت لبعض النقاد أن (ديكنز) كان يستطيع أن يسير في شارع مزدحم طويل ثم يسرد لك بالترتيب أسماء المحلات في ذلك الشارع، كان هذا من قوة ملاحظته العظيمة.
لقد كان (ديكنز) قوي الملاحظة لكنه بالتأكيد كان ليكون أفضل لو كان أقل انشغالًا بالتفاصيل غير المهمة.
فالملاحظة الجيدة ليست بكم التفاصيل ولكن بتناسقها وأهميتها النسبية بحيث يمكن الوصول إلى انطباع عام في أقصر وقت ممكن، وﻻحظ مثلًا انطباعك الحالي عن صديق مقرب وقارنه بانطباعك الأول عنه حين رأيته لأول مرة وستعرف كم كنت مخطئًا، لأنك لم تلاحظ حينها الأشياء الصحيحة.
**
كلما ازداد ذكاء المرء زاد فضوله وملاحظته.
ومجرد إرضاء هذا الشعور هو غاية جديرة بالاهتمام ولها تأثير أخلاقي في حقيقة الأمر إذ أنها تسعى لتفهم دوافع الشخصيات وبالتالي إلى فهم أحسن لمنابع السلوك البشري.
كما أن الملاحظة تجعل الأشياء تأخذ منحى جماليًا، حتى أن القبح يصير له منحى جمالي إذا وضع في سياقه.
الشرط الأول للملاحظة أن نعي أن ما نريد أن نلاحظه هو الحياة، هو المرأة الساكنة بالبيت المجاور، والرجل الجالس بجانبك في القطار، وليست أشياء مجردة."

تعليقات